توازي سؤال الواقع والوجود في " الحياة على جسر " للشاعر جواد وحمو-عبد الغني فوزي-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
إصدارات

توازي سؤال الواقع والوجود في " الحياة على جسر " للشاعر جواد وحمو

يأخذ الشاعر جواد وحمو النص الشعري بقوة ، في مجموعته الشعرية الثانية المعنونة ب " الحياة على جسر " ؛ ذاك أنها حياة مكتظة اختارت الإقامة شكا ، على حافة مراوحة في نقطة ما . من هذا الثقب أو الخدوش العالق ، ترقب الذات المتكلمة في النص العالم والذات في غمرة التحول والمصير . من هنا يتضاعف الإحساس بالمكان والزمن إلى حد تتحول معه الذات إلى خيط سفر مكتظ بالمشاهدات التي قد تولد من حادثة مختلة تصطدم بالزمن ، فتتعدد الحوادث وتتشعب المسالك في العبارة الشعرية . وبقدر ما كانت الحياة مكتظة في هذه المجموعة ، كانت العبارة كذلك كأنفاس مسبوكة على نظر رؤيوي .
    المجموعة هذه على امتداد نصوصها ، حمالة كتلة ألم تمثل لتذمر الذات من شكل الحياة والوجود العام ؛ إلى حد أن الأشياء فقدت ملامحها الأصلية و الأصيلة ، ولحقها الكثير من المسخ . في المقابل ، يتم شحذ مفردات المعنى ، من خلال تلك الولادة الجديدة والمتجددة التي تتأتى من المعاناة وقمة المأساة . وبقدر ما  تنطلق النصوص هنا من مفارقات ، تتعدد أشكال التفاعل معها في اليومي والواقع. لكن الشاعر يضيف لذلك ما ترسب في إناء الإنسان على ممر التاريخ . فتبدو لك الواقعة لها امتداداتها في المكان والزمان . وبالتالي ، خلق ذاك التوازي بين سؤال الواقع والوجود . نقرأ في نص " الغرباء " من المجموعة قيد النظر :
يدخلون مدينتك الآن في الليل
كي يأخذوا
منك أشياءك العاطفية :
مقهى على أول العشب ،
نافذة لا تطل على أحد في البعيد ،
وأشياء أخرى..
كقافية
ـ مثلا ـ
   يبدو أن المجموعة ( الحياة على جسر ) راهنت على النفس السردي الأوتوبيوغرافي من أجل تقديم جوانب من حياة الشاعر على الأرض . لكن السرد هنا يحفر الحكاية في محمولات كالذاكرة والحلم...إنها حكاية تنبني أساسا على الانكسارات . فالتتابع هنا ليس حدثيا ، بل تسلسل حالات . لهذا ، فالمجموعة لا تحكي حياة الشاعر في جانبها المعتاد والمعيشي ، بل في احتمالها وتوقعها ، في حلمها وتوقها . ها هنا فالشاعر يخوض صراعه مع الكل ، وبالأخص مع الأنساق المدجنة ومع التهيكلات . فهو شاعر لا يخلق الصور فقط ، بل كائنات رمزية تقدم مظهرا آخر وملمحا مغايرا للسائد . الشيء الذي يضاعف من حدة الإحساس في الأشياء لكي تتحول على الأقل في التمثل الذي يوجد له الصور التي تختصر وتركب...بشكل يخرق المألوف ويكسر وهم المطابقة . فكانت الصورة المشتعلة الداخل تخلق دهشتها المتجددة بتجدد القراءة . صور تتناسل وتتوالد ضمن وعي حاد بالسياق الذي يرعى النص من أوله إلى آخره دون تفكك أو تنافر ، نظرا لوحدة المعنى المتأتي من جماع حكاية لها حياتها في الزمان والمكان . النص بهذا المعنى ، يتحول إلى أداة بحث محموم عن المعنى والنبل الإنساني . فكان لا بد من ماء واصل ماثل في إحساس نافر وزاد وافر من التخلق في الحلم وتراسل الحواس . لهذا كلما لمست الذات في المجموعة شيئا مختلا أصابته بالارتعاش بين المرئي و اللامرئي ، بين العرضي والجوهري...يقول مقطع
 " ماذا " في نص " خرائط " من نفس المجموعة  :

ماذا ؟
أعقاب خرائط في كل مكان
أشباه وجوه ،
أقوام من خرق ،
أجساد بجماجم أطياف..
كنهايات شاحبة
في أول هذا الليل الميت

يبدو لي ، أن الشاعر جواد وحمو يبدع خارج الجوقة ووهم الجيل ، مؤسسا لملمحه الشعري الغني بممكنات تخييلية و جمالية عديدة ، منها التأمل والاستبطان والدهشة خلف صياغة لغوية غير تسجيلية  ؛ هذا فضلا عن سفر شعري في الأشياء كصيد في ذاك الماء ، ليعود الشاعر ، بعد سفر داخلي ، بشيء اسمه " القصيدة " ، وبها نظرا . فلنمسك بنصه بالبصيرة التي تجب عوض العموميات الاستهلاكية.



 
  عبد الغني فوزي-المغرب (2014-11-05)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

توازي سؤال الواقع والوجود في

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia